تحية حب و إخلاص .. تحية إجلال و إكبار .. بطاقة شكر من القلب إلى أولئك الرجال و النساء المبدعون .. أساتذة ثانوية الحسن الخياط إنزكان ..و تحية حب و تقدير للأستاذ القدير مراد رهناوي

الثلاثاء، 13 مارس 2012

تأطير مجزوءة المعرفة

تأطير مجزوءة المعرفة

يعتبر الإنسان كائنا عارفا ومنتجا للمعرفة. ولذلك فقد احتل مبحث المعرفة في مجال التفكير الفلسفي مكانة هامة في انشغالات الفلاسفة وأبحاثهم. وقد طرحت عدة إشكالات في هذا المبحث من قبيل: إمكانية المعرفة، مصدرها، طبيعتها، معاييرها، قيمتها، وظيفتها ومناهج الوصول إليها وطرق إنتاجها…
وغالبا ما يتم التمييز في عملية إنتاج المعرفة بين ثلاثة عناصر رئيسية: الذات العارفة،موضوع المعرفة، ومنهج المعرفة. ومعظم الإشكالات التي يتم إثارتها في مجال المعرفة تتعلق بالتفاعلات الحاصلة بين هذه العناصر الثلاث.
وقد ندبت الفلسفة نفسها منذ البداية من أجل البحث عن الحقيقة أو المعرفة الصحيحة. ولذلك فقد عمل الفيلسوف على ابتكار مناهج عقلية تمكن من إنتاج معرفة بالأشياء مخالفة للمعرفة السائدة أو بادئ الرأي. وهي معرفة مؤسسة على براهين وحجج عقلية وليست مجرد معرفة عفوية وتلقائية. كما كان هدف الفيلسوف بالأساس هو الوصول إلى الحقيقة، أي البحث عن الحقيقية من أجل الحقيقة، وهو ما أدى إلى التساؤل فيما بعد عن قيمة الحقيقة وعن الهدف من البحث عنها. وللتعرف عن الحقيقة أو المعرفة الصحيحة كان لا بد للفلاسفة من أن يضعوا معاييرا للتمييز بين الحقيقة من جهة وأضدادها كالخطأ والوهم والكذب من جهة أخرى، وهي المعايير التي سيختلف الفلاسفة في تحديدها كل واحد من منطلقه الخاص.
هكذا إذن سيعالج الفلاسفة مجموعة من الإشكالات المتعلقة بالحقيقة أو بالمعرفة بوجه عام، من أهمها الإشكالات الثلاث التي نجدها في مفهوم/درس الحقيقة وهي: الحقيقة والرأي، معايير الحقيقة وقيمتها.
ومن المعروف أنه، وابتداءا من القرن التاسع عشر ستظهر العلوم الإنسانية وتحاول الانفصال عن الفلسفة لدراسة موضوعاتها بمنهاج مستقلة عن التأمل الفلسفي،كما ستزدهر الأبحاث الإبستيمولوجية المتعلقة بالتفكير النقدي والتحليلي الذي سينصب على المعرفة العلمية الدقيقة، سواء في ما يخص مناهجها أو مفاهيمها أو نظرياتها أو تاريخها…
انطلاقا من هنا، يمكن أن نلاحظ أن الإشكالات المتعلقة بالمعرفة تطرح في هذه المجزوءة على ثلاثة مستويات رئيسية: مستوى المعرفة بمعناها الفلسفي العام (الحقيقة)، مستوى المعرفة المتعلقة بمجال العلوم الحقة ومستوى المعرفة المتعلقة بالعلوم الإنسانية. ومادام أن الأمر يتعلق بإشكالات تخص مشكلة المعرفة، فإننا نجد تقاطعات بين إشكالات المفاهيم الثلاث؛ فإشكال التمييز بين المعرفة العقلية العالمة والمعرفة العامية المتداولة،و كذلك إشكال معايير المعرفة حاضران في درس الحقيقة وفي درس النظرية والتجربة؛ ففي المحور الأول من درس الحقيقة نجد إشكال الحقيقة والرأي وهو يتقاطع مع إشكال التجربة والتجريب في درس النظرية والتجربة، ذلك أن الأمر يتعلق في كلا المحورين بالتمييز بين المعرفة العقلية المؤسسة على البراهين أو التجارب العلمية من جهة، وبين المعرفة الموجودة لدى الحس العام والتي ترتبط بالتجارب الحياتية المشتركة. ويظل مفهوم الحقيقية منفردا بإشكال يتعلق بقيمة الحقيقة، أي بجدواها والهدف من البحث عنها.
أما محور العقلانية العلمية في درس النظرية و التجربة، فهو يثير في آخر المطاف الإشكال المتعلق بمصادر المعرفة ومناهج الوصول إليها، وهو الأمر الذي يثير التعارض الحاصل بين أنصار النزعة العقلانية وأنصار النزعة التجريبية من جهة، كما يثير من جهة أخرى الاختلاف القائم بين نمط العقلانية الذي أفرزته الأبحاث الإبستيمووجية في مجال المعرفة العلمية الدقيقة، وبين نمط العقلانية الذي كان سائدا في الفلسفة الكلاسيكية.
وإذا تأملنا في درس “مسألة العلمية في العلوم الإنسانية”، فإننا نجده يثير إشكالا ميتودولوجيا (يتعلق بمنهج المعرفة) يتمثل في الكيفية التي ينبغي انطلاقا منها دراسة الظاهرة الإنسانية، سواء كانت ظاهرة نفسية أو اجتماعية أو غيرها. ولذلك نجد موقفين متعارضين؛ أحدهما أراد اقتفاء أثر العلوم الدقيقة وتطبيق مناهجها على الظواهر الإنسانية، وهو الموقف الوضعي العلموي، وموقف شاء ابتكار مناهج خاصة بالظاهرة الإنسانية نظرا لخصوصيتها وتميزها عن الظاهرة الطبيعية. وهذا التعارض هو الذي أفرز ما يسمى بأنصار منهج التفسير والقول بإمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية ودراستها دراسة علمية دقيقة، وأنصار الفهم القائلين بوجود صعوبات تحول دون إمكانية الموضعة هاته، مما يستلزم البحث عن مناهج جديدة ومتناسبة مع طبيعة الظواهر الإنسانية.
وعلى العموم، فنحن نلاحظ أن الأمر يتعلق في هذه المجزوءة بإشكالات متقاطعة تخص بالأساس مصادر المعرفة ومناهجها ومعاييرها، سواء تعلق الأمر بالمعرفة بمعناها الفلسفي العام (الحقيقة) أو المعرفة العلمية في مجال العلوم الدقيقة (الرياضيات، الفيزياء…) أو المعرفة الإنسانية في مجال العلوم الإنسانية( علم النفس، علم الاجتماع …).

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More